أولا: تعريف الخلوة .
ثانيا : تعريف المراقبة .
ثالثا : أحوال المسلم في الخلوة
رابعا: حرص الإسلام على تنشئة المراقبة وتنميتها .
خامسا: آثار مراقبة الله في الخلوة
سادسا: آثار عدم مراقبة الله في الخلوة .سابعا : الأسباب الباعثة على المراقبة
ثامنا: نماذج من المراقبة.
تاسعا: بين المراقبة والمجاهرة .
عاشرا: المراقبة والتربية. أخيرا: خاتمــة .
ثانيا : تعريف المراقبة .
ثالثا : أحوال المسلم في الخلوة
رابعا: حرص الإسلام على تنشئة المراقبة وتنميتها .
خامسا: آثار مراقبة الله في الخلوة
سادسا: آثار عدم مراقبة الله في الخلوة .سابعا : الأسباب الباعثة على المراقبة
ثامنا: نماذج من المراقبة.
تاسعا: بين المراقبة والمجاهرة .
عاشرا: المراقبة والتربية. أخيرا: خاتمــة .
أولا:تعريف الخلوة:
الخلوة: هي الحالة التي يشعر فيها العبد أنه لا رقيب عليه إلا الله .
وعلى هذا فيمكن أن نقول أن العبد في خلوة إذا كان خاليا بنفسه منفردا عن أعين المخلوقين في أي مكان وفي أي زمان ويمكن أن نقول أن العبد في خلوة إذا كان في مكان أو زمان يشعر العبد فيهما أنه لا رقيب عليه إلا الله وإن كان عنده أحد من المخلوقين كأن يكون مثلا في بلاد تستباح فيها المعاصي علنا وليس هناك من يعرفه في هذا البلد فهو في هذه الحالة في خلوة وإن كان هذا البلد مليء بالمخلوقين الذين ربما فعل المعصية على مرأى منهم
مثال آخر: إنسان نشيط في الدعوة في بلده فلما عين مدرسا في بلد آخر وابتعد عن نظر زملائه الذين كانوا يعينونه على هذا الأمر لما ابتعد عنهم ترك الدعوة وآثر الخمول فهنا هذا الأخ أصبح بعد ذهابه إلى البلد الآخر في خلوة . وللتنبيه لا أقصد أن هذا الأخ فعل معصية في الخلوة لا وإنما تكاسل عن الطاعة ومن أسباب هذا التكاسل ضعف المراقبة لله ، وسيأتي في أحوال هذا المسلم في الخلوة بيان أن مراقبة الله في الخلوة لا تعني فقط عدم فعل المعصية وإنما يمكن أن يدخل فيها التكاسل عن الطاعة.
ثانياً: تعريف المراقبة :
عرفت المراقبة بتعاريف عدة متقاربة في معناها ، فعرفها ابن المبارك حينما سأله رجل ما المراقبة قال : كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل .
وعرفها الحارث المحاسبي فقال : المراقبة علم القلب بقرب الرب .
وعرفها بعضهم بأنها : مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطوة وخطوة .
وعرفها إبراهيم الخواص : فقال هي: خلوص السر و العلانية لله عز وجل .
وهذه التعاريف كما سمعت متقاربة ، لخصها ابن القيم بقوله هي : دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه على ظاهره وباطنه .
ثالثاً : أحوال المسلم في الخلوة :
المسلم في الخلوة إما أن تكون حاله كما هي في العلانية و الظهور ، أو تكون في الخلوة أفضل ، وهذان مقامان عاليان ليس محل الكلام عنهما هنا .
أو يكون المسلم في الخلوة أقل حالا منه في العلانية وهذا هو الغالب على كثير من الناس ثم إن هؤلاء لا يختلفون فمنهم من يتكاسل عن الطاعات في الخلوة ويترك أعمالا فضلى كان يعملها في العلانية وإن لم يرتكب في خلوته المحرمات ، كمن ينشط في قيام الليل مع زملائه أثناء اجتماعه معهم فإذا كان في بيته لوحده ترك هذا الأمر أو يكون نشيطا في الدعوة إلى الله مع زملائه فإذا اختفى عن أنظارهم كأن يذهب في الإجازة بعيدا عنهم أو يكون قد عين مدرسا في بلدة أخرى ترك هذا الأمر وآثر الراحة و الكسل أو ينكر المنكر اذا كان يسير مع زملائه في سوق ، فإذا كان لوحده لم ينكر ، وغير هذه الأمثلة كثير . فهنا اصبح حال المسلم في الخلوة اقل من ناحية فعل الطاعات منه في العلانية ، نعم قد يكون هناك أسباب أخرى لحصول هذا الشيء من مثل كون الإنسان ينشط مع زملائه لأنهم يعينونه على الخير ويجد فيهم القدوة ، فإذا كان لوحده لم يجد من يعينه على ذلك ، الا أن من هذه الأسباب ضعف المراقبة لله عز وجل ، هذه حالة من أحوال المسلم في الخلوة .
الحالة الثانية : من الناس من يعمل في الخلوة مالا يليق به كمسلم صالح وان لم يكن هذا العمل محرماً كأن يفعل مكروهاً أو يكثر من مباح يضيع عليه وقته دون فائدة بينما تجده في العلانية مبتعداً عن هذا الشيء ، فهذا إنما فعل ذلك لضعف المراقبة عنده.
الحالة الثالثة: هناك من يرتكب المحرمات وينتهك حرمات الله في الخلوة وهذا تقريباً هو الذي ينصب عليه الكلام في هذا الموضوع ، ولاشك أن من فعل هذا إنما فعله لضعف المراقبة لله سبحانه وتعالى. وهناك من يعمل في الخلوة أعمالاً مباحة لا يعملها في العلانية حياءً من الناس لأنهم يعدونها من خوارم المروءة بينما هي في الخلوة لا تعد كذلك وهذا من مثل حسر الرأس أي كشف الرأس عند من يرى أنه من خوارم المروءة ونزع اللباس الخارجي والإبقاء على اللباس الداخلي الساتر للعورة فقط، فهذه الأشياء لا بأس بها ولا تدخل في موضوع المراقبة ، وإنما ذكرتها فقط للتنبيه على عدم دخولها في الموضوع . فهذه داخلة في العادات لا في العبادات.
رابعاً: حرص الإسلام على تنشئة المراقبة وتنميتها:
لقد حرص الإسلام على أن تكون مراقبة العبد لله سبحانه وتعالى قوية متمكنة في نفسه تحرسه إذا خلا بنفسه فلا ينتهك حرمات الله ولا يقصر في أداء الطاعات وحتى لو أخطأ وضعفت هذه المراقبة في وقت ما فإنه سرعان ما يتذكر اطلاع الله عليه وعلمه بما يقع منه فيقلع عن هذا الخطأ ويندم على فعله ويعزم على ألا يعود إليه ، ومما يدل على حرص الإسلام على ذلك ما يلي:
1- الأمر بتقوى الله في الخلوة : ففي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما: (( اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )) . ومراده في قوله اتق الله حيثما كنت أي في السر والعلانية حيث يرونه الناس وحيث لا يرونه ، وعند أحمد عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (( أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته)) .
2- التحذير من ارتكاب المحرمات في الخلوة : فعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً " قال ثوبان : يا رسول الله صِفهم لنا ، جلِّهم لنا ألاّ نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال : " أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) رواه ابن ماجة وصححه الألباني
3- ذكر صفات الله المقتضية لتلك المراقبة : يقول الله عز وجل : (( إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:ْ1)
ويقول عز وجل : (( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)) (الحج :75)
ويقول: (( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (الانفال:61)
وغيرها من الآيات
4- التصريح بعلم الله لما يفعله العبد صغيراً كان أم كبيراً في الخلوة أم في العلانية : يقول الله
عز وجل (( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) ( يونس:61).
قال الشيخ السعدي – رحمه الله- في تفسيره هذه الآية ( يخبر تعالى عن عموم مشاهدته واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا ، الدعوة لمراقبته على الدوام )ا.هـ. [1]
ويقول الله عز وجل في آيةٍ أخرى (( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) (التوبة:105)
وقال (( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) (يونس:14)
وقال عز من قائل (( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (الشعراء:217-220)
وقال (( وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)) (طه:7)
وقال عز وجل (( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)) (البقرة:235) وقال (( إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء)) (آل عمران:5) وقال ((وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ )) (النساء:108)
وقال (( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) (المجادلة:7).
5- الاستنكار على من استخف بعلم الله لما يفعله العبد : كما قال عز وجل (( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)) ( العلق:14) وقال (( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)) (الزخرف:80) وقال (( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ )) (التوبة:78).
6- الحث على الحياء من الله فمن استحيا من الله لم يبارزه بالمعصية في الخلوة : جاء في الحديث الذي صححه الألباني في صحيح الجامع ورواه الطبراني في الكبير (( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح في قومك ))
وفي الحديث الذي رواه أحمد والترمذي (( استحيوا من الله تعالى حق الحياء من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبِلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء )) .
7- ترتيب الأجر العظيم على مراقبة العبد لربه : ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر من هؤلاء (( ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )) .
قال ابن حجر : ذكر اللهَ أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر وخالياً من الخلو لأنه يكون حينئذٍ أبعد من الرياء ، فهؤلاء الأصناف الثلاثة حصلوا على هذا الأجر بسبب مراقبتهم لله عز وجل . وفي الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني (( ثلاثٌ منجيات ، خشية الله تعالى في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وثلاثٌ مهلكات ، هوىً متبع وشحٌ مطاع وإعجاب المرء بنفسه ) ).
8- المنزلة العظيمة للإحسان وأنه أعلى مراتب الدين : وحقيقته أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهذه هي المراقبة لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة كأنه يراه بقلبه وينظر إليه في حال عبادته
خامساً : آثار مراقبة الله في الخلوة :
تتبين آثار مراقبة الله في الخلوة في النقاط التالية:
1- مراقبة الله في الخلوة علامة كمال الإيمان وبلوغ مرتبة الإحسان ؛ لأنك إذا راقبت الله في خلوتك فأنت في الحقيقة عبدت الله وأنت تستحضر رؤيته سبحانه وتعالى لك.
2-
3- صلاح السريرة أصل كل قبول : لأن فساد السريرة لا ينفع معه الصلاح الظاهري فقط روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أنه لم يكن له كبير عمل من صلاة وصوم وإنما كانت له سريرة فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله وعبقت القلوب بنشر طيبه ).
4- إن من راقب الله في خلوته حفظه في حركات جوارحه ، قال مسروق رحمه الله ( من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه ).
5- إن من أطاع الله في خلوته أظهر الله فعله الحسن للناس ، قال ابن مسعود وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن رجب (( ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه اله ردائها علانية إن خيراً فخير وإن شراً فشر )) .
6- وقال بعض السلف ( ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على قسمات وجهه أو في فلتات لسانه).
7- من أعظم الله في الخلوة أجله الله في العلانية قال ابن عباس ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وقوةً في البدن وسعةً في الرزق ومحبةً في قلوب الخلق ،وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق ) وقال ذو النون المصري (كان العلماء يتواعظون بثلاث ويكتب بعضهم إلى بعض : من أحسن سريرته أحسن الله علانيته ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ومن أصلح أمر أخرته أصلح الله أمر دنياه).
8- من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس : وسمعتم كلام ذي النون المصري السابق وفيه (من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس) ، وقال ابن رجب: ( السعيد من أصلح ما بينه وبين الله فإنه من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق ).
9- من راقب الله في الخلوة ألقى الله حبه في القلوب ؛ وذلك لأن الله سيحبه (( وإذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ))[