الزمان : العاشر من شهر فبراير المبارك الساعة السابعة مساء بتوقيت القاهرة
المكان : غرفة المعيشة في بيتنا المتواضع
الحدث : هو فيه أهم من مباراة النهائي ؟ ؟ ؟
الحدث الذي ينتظره ملايين المصريين و العرب علي حد سواء والذي يضع تدريب وقدرات ومواهب اللاعبين المصريين في كفة الميزان أما سباع الكاميرون الضارية . .
بدأت المباراة وشدت معها الأعصاب وتعالي الهتاف خاصة مع المستوي التميز الذي لعب به لاعبي الكاميرون كانتقام مما حدث في الدور الأول . .
ومر الوقت سريعا وانتهي الشوط الأول ثم الاستراحة التي تم حشوها بالإعلانات الملحة بطريقة مستفزة كالمعتاد. . .
ثم بدأ الشوط الثاني والجميع يترقب ما الذي ستسفر عنه الأحداث . . .
تري هل يفعلها المصريون للمرة السادسة ويفرحون القلوب العطشي لأي نوع من الفرح في ظل هذا الجو السودوي من الهموم . .
ومع انطلاق أول عشر دقائق من الشوط الثاني جائتني خاطرة غريبة . . .
تري كيف حال الشعب المصري الآن ؟ ؟ ما هي حالتهم في تلك اللحظة ؟ . . بالتأكيد فإن السواد الأعظم منهم يبحلقون في شاشة التليفزيون وقلوبهم متعلقة به . .
طب إيه رأيك في أن تقوم لله وتصلي ركعتين في هذا اللحظة النادرة التي قل بها من يذكر الله تعالي , لقد قرأت أن من الفضل العظيم لدعاء السوق أنه يجعل الفرد يتذكر الله تعالي في وسط عدد كبير من الناس الذين لا يفعلون في ذات اللحظة . .
تخيلت أن الله تعالي يطلع الآن علي قلوب عباده ورأي أن حواس معظمهم منتبهه تماما مع الأثنين عشرين فردا الذين يقاتلون في سبيل الكأس الذهبية . . .
تخيلت أيضا عبدا من عباده يقف منتصبا لله معلنا أنه يفهم تماما المعني العملي لكلمة (الله أكبر) وأن قلبه لا يملئه شيئا إلا حب الله تعالي . .
فكرت مليا وتسائلت . هل سأترك المباراة التي لا تتكرر إلا مرة كل سنتين ؟ وربما لا يصعد المنتخب المصري للنهائي مرة أخري في القريب . .
ترددت لحظة ثم فترت وقلت , ( يا سيدي الماتش قرّب يخلص , وبعدها قدامي ست ولا سبع ساعات لغاية الفجر ممكن أصليها قيام )
وتلففت بالبطانية مرة أخري وتسمرت أمام الشاشة أتابع المباراة . .
لكني شعرت بألم شديد وسمعت من يقول لي ( هل ستترك تلك الفرصة الذهبية التي لا تعوض لتكون ممن يتشرف بالوقوف أمام الله تعالي في هذه اللحظة النادرة )
أنا أعلم أن مشاهدة المباراة ليست حرام بالطبع باستثناء إذا تعارضت مع فريضة مثل الصلاة علي وقتها أو بر الوالدين , لكني لست أتكلم في مستوي الحلال والحرام وإنما في إثبات أن الله ورسوله أحب إليّ مما سواهما (وأدعو الله تعالي أن يرزقني هذه النعمة )
لم يكن هناك تعارض بين المباراة وفريضة ما , لكني أردت أن أضع حبي الشديد للمباراة علي المحك مع جهادي لنفسي , ولونجحت في إرغام نفسي علي تركها الآن لنجحت في ما سواها من الأعمال . . .
والنفس كالطفل إن تهمله شب علي . . . . . . . . حب الرضاعة وإن تفطمه ينفطم
اتخذت قرارا سريعا ونفضت البطانية عني و غيرت القناة إلي المجد لينبعث صوت الشيخ الحذيفي وهو يتلو بصوته الندي , توضأت واستقبلت القبلة , وأمسكت بالمصحف , فلست أنوي أن أجعلها ركعتين خفيفتين وسأبذل قصاري جهدي أن أنسي ما يحدث في ( أكرا ) الآن وأن أيمم بوجهي شطر خالقي وأدعوه سبحانه أن يتقبل مني . . .
استفتحت بسورة القتال واستحضرتني أحداث غزوة تبوك ومواقف المنافقين وصبر الصحابة عليهم , استحضرني الجهد الذي يفوق الوصف الذي بذله أبطال الصحابة في تلك الرحلة الرهيبة , رأيت كل معاني البذل والعطاء والتضحية بأسمي صور لها كي تكون مثالا يحتذي به علي مر التاريخ . . . .
شعرت للحظة بالخجل من ترددي في ترك المباراة والوقوف بين يدي الله تعالي . .
ومرت الدقائق ووصلت إلي قوله عز وجل (أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) وفي اللحظة بعينها سمعت تهليلا عظيما و صراخا يأتي من الشارع وصيحات الفرح الجنوني من الجيران , لم أستطع كبح العبرة التي خرجت من عيني وأنا أعيد قراءة الآية العظيمة مرات ومرات . . . .
أثناء السجود تخيلت أني أقف وحدي في أرض المحشر وأنا بين يدي الله ساجدا وأدعوه سبحانه أن يتقبل مني ويغفر لي خطاياي وأن يجعلني من عباده المقربين . . .
ختمت سورة التوبة وبقيت لحظات علي سجادة الصلاة أذكر الله تعالي ثم فتحت التلفاز فإذا الفريق المصري يهلل ويكبر ويخر لله ساجدا هو أيضا علي الفوز . . . .
شاعت ابتسامة علي وجهي وأنا أقول ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة )
أؤكد أن ما فعلته ليس لأن مشاهدة المباراة بها شبهة شرعية ولكني أردت أن أثبت لنفسي أنني أقوي من ما تحب ,وأعتقد أن ترك السرير في البرد للقيام أو الفجر , أو ترك الأموال لله سيكون أيسر في ما بعد , وربنا يرزقنا الكأس في أنجولا 2010 JJJ
والسلام عليكم