[size=21]
وسائل الثبات
وسائل الثبات
إن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط
المستقيم بعزيمة ورشد . وتكمن أهمية الموضوع في أمور منها
1-
وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون،وأنواع الفتن والمغريات التي
بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريبًا ،
فنال المتمسكون به مث ً لا عجيبًا ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) .
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه
أيام السلف ، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر ؛ لفساد الزمان ، وندرة الأخوان ،
وضعف المعين ، وقلة الناصر .
2-
كثرت حوادث الردة والنكوص على الأعقاب ، والانتكاسات حتى بين بعض
العاملين للإسلام مما يحمل المسلم على الخوف من أمثال تلك المصائر ، ويتلمس
وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن .
3-
ارتباط الموضوع بالقلب ؛ الذي يقول النبي فى شأنه
( إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل
شجرة يقلبها الريح طهرًا لبطن ) رواه أحمد
فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج
لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها .
وسائل الثبات
من رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته
وسائل كثيرة للثبات . نستعرض بعضها ومنها:-
أوًلا : الإقبال على القرآن
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من
تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
لماذا كان القرآن مصدرًا للتثبيت ؟؟
لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله .
-
لأن تلك الآيات تتنزل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة ،
ويطمئن قلبه بذكر الله .
-
لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يقوم
الأوضاع من حوله ، وكذا الموازين التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب
حكمه ، ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث والأشخاص .
-
أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين .
ثانيًا : التزام شرع الله والعمل الصالح
قال الله تعالى {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }إبراهيم27
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطًا مستقيمُا .
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة
، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل . وكان أصحابه إذا عملوا
عملا أثبتوه . وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته .
فالأعمال الصالحة كثيرة جمة لا حصر لها تريد من ينتهل منها ويتزود بها للآخرة.
ثالثًا : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل
والدليل على ذلك قوله تعالى :{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }هود120
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله للتلهي والتفكه
وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه .
فقصص الأنبياء مليئة بقصص الثبات على الحق ومنها كمثال قصة سيدنا إبراهيم
فيقول الله تعالى {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{68} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ{69} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ{70}} الأنبياء
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه
القصة ؟
رابعًا : الدعاء
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }
آل عمران8
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة250
خامسًا : ذكر الله
وهو من أعظم أسباب التثبيت .
تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ }الأنفال45 .
فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد .
سادسًا : الحرص على أن يسلك المسلم طريقًا صحيحًا
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق كتاب الله وسنته.
سابعًا : التربية
التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات .
التربية الإيمانية : التي تحيي القلب والضمير بالخوف والرجاء والمحبة ، المنافية
للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والسنة ، والعكوف على أقاويل الرجال.
التربية العلمية : القائمة على الدليل الصحيح المنافية للتقليد والأمعية الذميمة .
التربية الواعية : التي لا تعرف سبيل المجرمين وتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط
بالواقع علمًا وبالأحداث فهمًا وتقويمًا ، المنافية للانغلق والتقوقع على البيئات
الصغيرة المحدودة .
التربية المتدرجة : التي تسير بالمسلم شيئًا فشيئًا ، ترتقي به في مدارج كماله
بتخطيط موزون ، والمنافية للارتجال والتسرع والقفزات المحطمة .
ثامنًا : الثقة بالطريق
لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم ، كان ثباته عليه أكبر..
ولهذا وسائل منها
استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه ليس جديدًا ولا وليد قرنك
وزمانك ، وإنما هو طريق عتيق (عتيق صفة مدح)قد سار فيه من قبلك الأنبياء
والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون،فتزول غربتك ، وتتبدل وحشتك أنسًا ،
وكآبتك فرحًا وسرورًا ، لأنك تشعر بأن أولئك كلهم أخوة لك في الطريق والمنهج.
الشعور بالاصطفاء ، قال الله عز وجل : {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ }النمل59.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32
.وقال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6.
وكما أن الله اصطفى الأنبياء فللصالحين نصيب من ذلك الاصطفاء
وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء.
تاسعًا : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن ، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس
الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر
الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) .
وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .
عاشرًا : الالتفاف حول العناصر المثبتة
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على
الثبات .
الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام
نحتاج إلى الثبات كثيرًا عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها فيقول الله تعالى
{145} وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{147} فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{148} آل عمران
الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به
في قول الله عز وجل: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ }آل عمران196
تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم.
ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم
{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }الأنعام55
الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطا ء خيرًا وأوسع
من الصبر )رواه البخاري
وهناك الكثير من الأخلاق الفضيلة غير الصبر
الرابع عشر : وصية الرجل الصالح
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ، يكون من عوامل الثبات أن يقيض
الله له رج ً لا صالحًا يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ،
وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه ، وجنته ، وناره .
الخامس عشر : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت
والجنة بلاد الأفراح ، وسلوة الأحزان ، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على
عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهون عليها الصعاب ، ويذلل لها ما في
الطريق من عقبات ومشاق .
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته
جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين
الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي ،ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها .لأنه
إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله ، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات ، فكيف
تسول له نفسه أن يزل ، أو يتمادى في الانحراف
وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر ، والحشر ، والحساب ، والميزان ،
والصراط،وسائر منازل الآخرة .
منقول بتصرف من
كتاب وسائل الثبات
للشيخ محمد صالح المنجد
[/size]