السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
من أين يأكل الدعــاة ؟!!!
أتاني آتٍ في المسجد وقال لي : أثيرت علي بعض الشبهات ولم أعرف كيف أرد عليها ، وأنا أريد أن أعرضها عليك لترد عليها ..
وقبل أن أعرض شبهات هذا الأخ والرد عليها ، فإنني أؤكد أولا أنني أشهد الله أنني لا أحب الكذب ، وأبدا لا أكذب ، لا في الدعوة ، ولا للدعوة ، ولا في حياتي عموما جملة وتفصيلا ، ورحم الله أبي وجدي فقد ربياني فعلا على كراهية الكذب ، فالله شهيد بيني وبينكم أن أي قصة أحكيها أو موقف أذكره ، ليس من ذلك شيء مفتعل أو مختلق أو مخترع أو مؤلف ، بل كلها حقائق في مواقف ..
والذي أريد أن أعرضه من شبهات الأخ سؤال واحد ، قال لي فجأة بعد مقدمة من اللجلجة والفأفأة والسأسأة :
ارحمونـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أولا : أنا أحبكم في الله .. وأسأل الله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ..
اللهم اجعل عملنا كله صالحا .. واجعله لوجهك خالصا .. ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئا ..
ثانيا : أتاني آتٍ في المسجد وقال لي : أثيرت علي بعض الشبهات ولم أعرف كيف أرد عليها ، وأنا أريد أن أعرضها عليك لترد عليها ..
وقبل أن أعرض شبهات هذا الأخ والرد عليها ، فإنني أؤكد أولا أنني أشهد الله أنني لا أحب الكذب ، وأبدا لا أكذب ، لا في الدعوة ، ولا للدعوة ، ولا في حياتي عموما جملة وتفصيلا ، ورحم الله أبي وجدي فقد ربياني فعلا على كراهية الكذب ، فالله شهيد بيني وبينكم أن أي قصة أحكيها أو موقف أذكره ، ليس من ذلك شيء مفتعل أو مختلق أو مخترع أو مؤلف ، بل كلها حقائق في مواقف ..
والذي أريد أن أعرضه من شبهات الأخ سؤال واحد ، قال لي فجأة بعد مقدمة من اللجلجة والفأفأة والسأسأة : الشيخ أبو إسحاق الحويني ، والشيخ محمد حسان ، وحضرتك ..... من أين تأكلون ؟!!!!
ولأنني –كما تعلمون- صريح جدا ، ومباشر جدا دون لف ودوران كان يمكنني أن أصرفه بكلمة واحدة : "وانت مالك !!!! " ، ولكن .. سبحان الملك ولأننا كنا نجلس في المسجد وجدت نفسي أجيبه بمنتهى الهدوء :
أليس قد قال الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)} [الطلاق :2-3]..
وأليس قد قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُواوَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِوَالأَرْضِ} [الأعراف :96] ..
وأليس قد قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة :65-66] ..
وأليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا » ...
بالله عليك ... أليس – الدعاة – أحق الناس بهذه الآيات والأحاديث ؟!!...
ألا تعتقد أن الدعاة – في إيمانهم وتوكلهم وتقواهم بما تسمعه وتراه ويبلغك عنهم– أحق برزق الله كما يرزق الطير، لا تعمل عند أحد ، ولا تأخذ راتبها من أحد ، ولا تعتمد على أحد ، بل يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ؟!!
وقد قال سبحانه في الآية السابقة : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} ، فالداعية الذي يقيم الكتاب والسنة في نفسه وبين ظهراني أهله ويجاهد بالدعوة إلى ذلك ، ويعين الآخرين على القيام بذلك ، أليس من حقه أن يأكل من فوقه ومن تحت رجله : {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَادَ} [الزمر :20] ..
فالذي يتساءل : من أين يأكل الدعاة ؟!.. هذه إجابته : أن الله يطعمهم ويسقيهم كما يرزق الطير ، وكما يبارك لأهل الإيمان ، وكما يجعل رزقا للمتقي من حيث لا يحتسب ..
ثم ... هل بلغك أنهم يسرقون ؟!!.. هل اشتكى أحد أنهم منه يقترضون ثم لا يردون ؟!.. هل زعم أحد أنهم أكلوا ماله ؟!!!!!!....
الحمد لله .. هم مكفيون بكفاية الله .. مستورون بستر الله .. متمتعون بفضل الله ..
ثم ... إذا ظهر عليهم ظواهر سعة الرزق وكثرة المال كما يندهش البعض حين يرى ذلك ، فليس الأمر كما ترى ، إنما هو جمال ستر الله ، وعظمة بركة الله ، فقد يكون ما ينفقونه قليل وبالنسبة لما يملك الآخرون فتات ، ولكن ببركة الله وعدم تشوفهم لما في أيدي الناس وإظهار الغنى : {يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} ..
ولذلك أيضا تجد هؤلاء ، ودعني أتكلم عن نفسي شخصيا ، لا يكنزون شيئا ولا يدخرون شيئا أبدا ، فلا تجده يحتفظ في بيته ببضعة آلاف ، لا تجد شيئا من مفردات هذا البضع ( من 3 – 9 ) ، ولذلك يظهر أنهم يملكون ، والحقيقة أنهم ينفقون كل ما يملكون ، فلو طلبت مني مثلا ، كما يحدث كثيرا من عشم بعض الإخوة ، خمسة آلاف جنيه سلف – مثلا – فوالله لا أملك .. لا أملك .. لا أملك .. صدقني ، وقد تقول : والسيارة .. والعمارة .. و .... وأقول لك : هذا من التنعم بما نملك ، أما الكنز والاقتناء فلا تجد عندنا شيئا من ذلك .. وصدقني ..
ثم ... لابد أن تعلم أن هؤلاء الدعاة أجراء عند الله ، فهو كفيلهم ، وبشكرهم لنعمه يزيدهم من فضله ويبارك لهم ، وكونهم لا يعبدون الشهوات ولا يتوسعون فيها فالقليل عندهم كثير ..
وقد يقول القائل : ولكن يظهر أن هؤلاء المشايخ أغنياء ، وهنا أتذكر كلمة قالها الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم - حفظه الله وأكرمه ورفع قدره في الدنيا والآخرة - حين قال له بعض أهل الجماعات ، وكان ذلك في أوائل التسعينات : لماذا لا يقبض على السلفيين ؟، فقال - حفظه الله : وهل نلام على العافية ؟!، وأنا أجيب بنفس الإجابة : هل نلام على رزق ساقه الله إلينا دون تشوف أو مسألة ؟!!
هل نلام على ستر الله وفضله وعافيته ؟!!
ثم ... في النهاية – أخي الحبيب – والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبك في الله ، أحب في النهاية أن أوجه لك نصيحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » ، فانشغل بنفسك وأصلح حالك ، عفا الله عني وعنك ..
جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله وقال له : كم عمرك ؟، فقال له الإمام : أقبل على شأنك ، وقام ..
يعني ( إشارتك خضرا ) .. ( شق طريقك ) .. ( سيبنا ف حالنا ) .. ( خليك ف نفسك ) .. ( بلاش دوشة ) .. أو ما إلى ذلك ، هذا معنى كلام الإمام .
وقد رأيت الشيخ على الطنطاوي كتب مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة ، فأردت أن أقتبسها منه وأضعها ها هنا وكأنها تحكي أحوالنا ، فخذها هنيئا مريئا ,, وارحمونا ...
( نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة ، وأنا على أريكة مريحة ، أفكر في موضوع أكتب فيه ، والمصباح إلى جانبي ، والهاتف قريب مني ، والأولاد يكتبون ، وأمهم تعالج صوفا تحيكه ، وقد أكلنا وشربنا ، والراديو يهمس بصوت خافت ، وكل شيء هادئ ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه .
فقلت " الحمد لله " ، أخرجتها من قرارة قلبي ، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة ، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها ، حمد الغني أن يعطي الفقراء ، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء ، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى ، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين ، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد ؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه ؟
وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر ؟، فقلت لها .
قالت : صحيح ، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم ، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم .
قلت : لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم ، فكيف وأنا رجل مستور ، يرزقني الله رزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ؟
لا ، لا أريد أن أغني الفقراء ، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية ، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير ، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء ، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها ، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا ، وليس فيها صغير ولا كبير ، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان ، أسأله عن العصفور : هل هو صغير أم كبير ؟، فإن قال صغير ، قلت : أقصد نسبته إلى الفيل ، وإن قال كبير ، قلت : أقصد نسبته إلى النملة..
فالعصفور كبير جدا مع النملة ، وصغير جدا مع الفيل ، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل ، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال ..
تقولون : إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا ؛ ما أتفلسف ، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه ، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن " مجدرة " ( وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس ) ، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء ، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدرة ..
والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوبا لمن ليس له شيء ، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها ، وعنده ثلاث جدد من دونها ، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة ، ورب ثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال ، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة ، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل سيارته الشفروليه طراز سنة 1953 – بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 – فأعطاك تلك السيارة .
ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هو أفقر منه ، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش ، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء ، وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول " هذه لله " ، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر .
ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان ، لا والله ، إنكم تقبضون الثمن أضعافا ؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة ، ولقد جربت ذلك بنفسي ، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة ، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال ، ولم أدخر في عمري شيئا ، وكانت زوجتي تقول لي دائما : " يا رجل ، وفر واتخذ لباتك دارا على الأقل " ، فأقول : خليها على الله ، أتدرون ماذا كان ؟!!
من أين يأكل الدعــاة ؟!!!
أتاني آتٍ في المسجد وقال لي : أثيرت علي بعض الشبهات ولم أعرف كيف أرد عليها ، وأنا أريد أن أعرضها عليك لترد عليها ..
وقبل أن أعرض شبهات هذا الأخ والرد عليها ، فإنني أؤكد أولا أنني أشهد الله أنني لا أحب الكذب ، وأبدا لا أكذب ، لا في الدعوة ، ولا للدعوة ، ولا في حياتي عموما جملة وتفصيلا ، ورحم الله أبي وجدي فقد ربياني فعلا على كراهية الكذب ، فالله شهيد بيني وبينكم أن أي قصة أحكيها أو موقف أذكره ، ليس من ذلك شيء مفتعل أو مختلق أو مخترع أو مؤلف ، بل كلها حقائق في مواقف ..
والذي أريد أن أعرضه من شبهات الأخ سؤال واحد ، قال لي فجأة بعد مقدمة من اللجلجة والفأفأة والسأسأة :
ارحمونـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أولا : أنا أحبكم في الله .. وأسأل الله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ..
اللهم اجعل عملنا كله صالحا .. واجعله لوجهك خالصا .. ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئا ..
ثانيا : أتاني آتٍ في المسجد وقال لي : أثيرت علي بعض الشبهات ولم أعرف كيف أرد عليها ، وأنا أريد أن أعرضها عليك لترد عليها ..
وقبل أن أعرض شبهات هذا الأخ والرد عليها ، فإنني أؤكد أولا أنني أشهد الله أنني لا أحب الكذب ، وأبدا لا أكذب ، لا في الدعوة ، ولا للدعوة ، ولا في حياتي عموما جملة وتفصيلا ، ورحم الله أبي وجدي فقد ربياني فعلا على كراهية الكذب ، فالله شهيد بيني وبينكم أن أي قصة أحكيها أو موقف أذكره ، ليس من ذلك شيء مفتعل أو مختلق أو مخترع أو مؤلف ، بل كلها حقائق في مواقف ..
والذي أريد أن أعرضه من شبهات الأخ سؤال واحد ، قال لي فجأة بعد مقدمة من اللجلجة والفأفأة والسأسأة : الشيخ أبو إسحاق الحويني ، والشيخ محمد حسان ، وحضرتك ..... من أين تأكلون ؟!!!!
ولأنني –كما تعلمون- صريح جدا ، ومباشر جدا دون لف ودوران كان يمكنني أن أصرفه بكلمة واحدة : "وانت مالك !!!! " ، ولكن .. سبحان الملك ولأننا كنا نجلس في المسجد وجدت نفسي أجيبه بمنتهى الهدوء :
أليس قد قال الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ (2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)} [الطلاق :2-3]..
وأليس قد قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُواوَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِوَالأَرْضِ} [الأعراف :96] ..
وأليس قد قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة :65-66] ..
وأليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا » ...
بالله عليك ... أليس – الدعاة – أحق الناس بهذه الآيات والأحاديث ؟!!...
ألا تعتقد أن الدعاة – في إيمانهم وتوكلهم وتقواهم بما تسمعه وتراه ويبلغك عنهم– أحق برزق الله كما يرزق الطير، لا تعمل عند أحد ، ولا تأخذ راتبها من أحد ، ولا تعتمد على أحد ، بل يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ؟!!
وقد قال سبحانه في الآية السابقة : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} ، فالداعية الذي يقيم الكتاب والسنة في نفسه وبين ظهراني أهله ويجاهد بالدعوة إلى ذلك ، ويعين الآخرين على القيام بذلك ، أليس من حقه أن يأكل من فوقه ومن تحت رجله : {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَادَ} [الزمر :20] ..
فالذي يتساءل : من أين يأكل الدعاة ؟!.. هذه إجابته : أن الله يطعمهم ويسقيهم كما يرزق الطير ، وكما يبارك لأهل الإيمان ، وكما يجعل رزقا للمتقي من حيث لا يحتسب ..
ثم ... هل بلغك أنهم يسرقون ؟!!.. هل اشتكى أحد أنهم منه يقترضون ثم لا يردون ؟!.. هل زعم أحد أنهم أكلوا ماله ؟!!!!!!....
الحمد لله .. هم مكفيون بكفاية الله .. مستورون بستر الله .. متمتعون بفضل الله ..
ثم ... إذا ظهر عليهم ظواهر سعة الرزق وكثرة المال كما يندهش البعض حين يرى ذلك ، فليس الأمر كما ترى ، إنما هو جمال ستر الله ، وعظمة بركة الله ، فقد يكون ما ينفقونه قليل وبالنسبة لما يملك الآخرون فتات ، ولكن ببركة الله وعدم تشوفهم لما في أيدي الناس وإظهار الغنى : {يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} ..
ولذلك أيضا تجد هؤلاء ، ودعني أتكلم عن نفسي شخصيا ، لا يكنزون شيئا ولا يدخرون شيئا أبدا ، فلا تجده يحتفظ في بيته ببضعة آلاف ، لا تجد شيئا من مفردات هذا البضع ( من 3 – 9 ) ، ولذلك يظهر أنهم يملكون ، والحقيقة أنهم ينفقون كل ما يملكون ، فلو طلبت مني مثلا ، كما يحدث كثيرا من عشم بعض الإخوة ، خمسة آلاف جنيه سلف – مثلا – فوالله لا أملك .. لا أملك .. لا أملك .. صدقني ، وقد تقول : والسيارة .. والعمارة .. و .... وأقول لك : هذا من التنعم بما نملك ، أما الكنز والاقتناء فلا تجد عندنا شيئا من ذلك .. وصدقني ..
ثم ... لابد أن تعلم أن هؤلاء الدعاة أجراء عند الله ، فهو كفيلهم ، وبشكرهم لنعمه يزيدهم من فضله ويبارك لهم ، وكونهم لا يعبدون الشهوات ولا يتوسعون فيها فالقليل عندهم كثير ..
وقد يقول القائل : ولكن يظهر أن هؤلاء المشايخ أغنياء ، وهنا أتذكر كلمة قالها الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم - حفظه الله وأكرمه ورفع قدره في الدنيا والآخرة - حين قال له بعض أهل الجماعات ، وكان ذلك في أوائل التسعينات : لماذا لا يقبض على السلفيين ؟، فقال - حفظه الله : وهل نلام على العافية ؟!، وأنا أجيب بنفس الإجابة : هل نلام على رزق ساقه الله إلينا دون تشوف أو مسألة ؟!!
هل نلام على ستر الله وفضله وعافيته ؟!!
ثم ... في النهاية – أخي الحبيب – والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبك في الله ، أحب في النهاية أن أوجه لك نصيحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » ، فانشغل بنفسك وأصلح حالك ، عفا الله عني وعنك ..
جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله وقال له : كم عمرك ؟، فقال له الإمام : أقبل على شأنك ، وقام ..
يعني ( إشارتك خضرا ) .. ( شق طريقك ) .. ( سيبنا ف حالنا ) .. ( خليك ف نفسك ) .. ( بلاش دوشة ) .. أو ما إلى ذلك ، هذا معنى كلام الإمام .
وقد رأيت الشيخ على الطنطاوي كتب مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة ، فأردت أن أقتبسها منه وأضعها ها هنا وكأنها تحكي أحوالنا ، فخذها هنيئا مريئا ,, وارحمونا ...
( نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة ، وأنا على أريكة مريحة ، أفكر في موضوع أكتب فيه ، والمصباح إلى جانبي ، والهاتف قريب مني ، والأولاد يكتبون ، وأمهم تعالج صوفا تحيكه ، وقد أكلنا وشربنا ، والراديو يهمس بصوت خافت ، وكل شيء هادئ ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه .
فقلت " الحمد لله " ، أخرجتها من قرارة قلبي ، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة ، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها ، حمد الغني أن يعطي الفقراء ، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء ، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى ، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين ، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد ؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه ؟
وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر ؟، فقلت لها .
قالت : صحيح ، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم ، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم .
قلت : لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم ، فكيف وأنا رجل مستور ، يرزقني الله رزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ؟
لا ، لا أريد أن أغني الفقراء ، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية ، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير ، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء ، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها ، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا ، وليس فيها صغير ولا كبير ، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان ، أسأله عن العصفور : هل هو صغير أم كبير ؟، فإن قال صغير ، قلت : أقصد نسبته إلى الفيل ، وإن قال كبير ، قلت : أقصد نسبته إلى النملة..
فالعصفور كبير جدا مع النملة ، وصغير جدا مع الفيل ، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل ، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال ..
تقولون : إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا ؛ ما أتفلسف ، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه ، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن " مجدرة " ( وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس ) ، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء ، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدرة ..
والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوبا لمن ليس له شيء ، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها ، وعنده ثلاث جدد من دونها ، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة ، ورب ثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال ، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة ، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل سيارته الشفروليه طراز سنة 1953 – بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 – فأعطاك تلك السيارة .
ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هو أفقر منه ، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش ، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء ، وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول " هذه لله " ، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر .
ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان ، لا والله ، إنكم تقبضون الثمن أضعافا ؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة ، ولقد جربت ذلك بنفسي ، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة ، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال ، ولم أدخر في عمري شيئا ، وكانت زوجتي تقول لي دائما : " يا رجل ، وفر واتخذ لباتك دارا على الأقل " ، فأقول : خليها على الله ، أتدرون ماذا كان ؟!!