[center][center]مصارف الزكاة الشرعية
إن القرآن الكريم قد عنى - بصفة خاصة- ببيان الجهات التي تصرف لها وفيها الزكاة، ولم يدعها لحاكم يقسمها، وفق رأى له قاصر، أو هوى متسلط، أو عصبية جاهلية. كما لم يدعها لمطامع الطامعين الذين لا يتورعون أن تمتد أيديهم إلى ما ليس لهم، والذين يزاحمون بمناكبهم المستحقين من أهل الفاقة والحاجة الحقيقيين، وفى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- تطلع بعض ذوى الأعين الشرهة والأنفس النهمة، وسال لعابهم إلى أموال الصدقات، متوقعين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينفحهم منها نفحات تشبع من طموحهم، وترضى من شرههم، فلما ضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنهم صفحًا ولم يلق إليهم بالا، غمزوا ولمزوا، وتطاولوا على المقام النبوي الكريم، فنزلت آيات الكتاب تفضح نفاقهم، وتكشف شرههم، وتبين جور موازينهم النفعية الشخصية، وتبين المصارف التي يجب أن توضع فيها الزكاة،
وذلك قوله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله، والله عليم حكيم) (التوبة: 58 - 60).
وبهذه الآيات انقطعت المطامع، وتبينت المصارف، وعرف كل ذي حق حقه.
ومصارف الزكاة 8 مصارف :-
أولاً الفقراء:-
ثانيا المساكين :-
رجح شيخ المفسرين الطبري(تفسير الطبري: 14/308، 309- طبع دار المعارف): أن المراد بالفقير: المحتاج المتعفف الذي لا يسأل، والمسكين: المحتاج المتذلل الذي يسأل، وأيد ترجيحه بأن لفظ المسكنة ينبئ عن ذلك. كما قال تعالى في شأن اليهود: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) (البقرة: 61 ) ا. هـ.
ثالثاً العاملون عليها أو الجهاز الإداري والمالي للزكاة:-
ويقصد بهم كل الذين يعملون في الجهاز الإداري لشئون الزكاة، من جباة يحصلونها ومن خزنة وحراس يحفظونها، ومن كتبة وحاسبين يضبطون واردها ومصروفها، ومن موزعين يفرقونها على أهلها... كل هؤلاء جعل الله أجورهم في مال الزكاة، لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها، وللتنبيه على أن تكون للزكاة حصيلة قائمة بذاتها، ينفق منها على القائمين بأمرها.
واهتمام القرآن بهذا الصنف ونصه عليه، وجعله ضمن الأصناف الثمانية المستحقين وجعل ترتيبه بعد الفقراء والمساكين وهم أول المصارف وأولاها بالزكاة... هذا كله دليل على أن الزكاة في الإسلام ليست وظيفة موكولة إلى الفرد وحده، وإنما هي وظيفة من وظائف الدولة، تشرف عليها وتدبر أمرها، وتعين لها من يعمل عليها من جاب وخازن وكاتب وحاسب.. إلخ، وأن لها حصيلة أو ميزانية خاصة يعطى منها رواتب الذين يعملون فيها.
رابعاً المؤلَّفة قلوبهم:-
فهؤلاء هم الذين يستطيعون إثبات الحاجة إلى تأليف القلوب أو نفيها، وتحديد صفات من يؤلفون ومدى ما يبذل لهم وفق مصلحة الإسلام وحاجة المسلمين.
خامساً في الرقاب:-
الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها في القرآن: العبد أو الأمة، وهى تذكر في معرض التحرير أو الفك، كأن القرآن الكريم يشير بهذه العبارة المجازية إلى أن الرق للإنسان كالغل في العنق، والنير في الرقبة، وتحرير العبد من الرق هو فك لرقبته من غلها، وتخليص لها من النير الذي ترزح تحته.
وفى آية المصارف قال تعالى: (وفى الرقاب) .. ومعناها: وتصرف الصدقات في فك الرقاب، وهو كناية عن تحرير العبيد والإماء من نير الرق والعبودية.
سادساً الغارمون:-
الغارمون: جمع غارم. والغارم: هو الذي عليه دين (ذكر ابن الهمام في الفتح: أن الغارم من لزمه دين، أو له دين على الناس لا يقدر على أخذه، وليس عنده نصاب. وفى هذا الكلام نظر؛ لأن الغارم في اللغة: من عليه الدين، ولعله اشتبه عليه الغارم بالغريم الذي يطلق على الدائن والمدين، وسبحان من لا يسهو. وأما الصورة التي ذكرها في الفتح وهى من له دين على الناس.. إلخ. فإنما جاز الدفع إليه، لأنه فقير يدًا كابن السبيل، لا لأنه غارم. (انظر: حاشية رد المحتار: 2/63). أما الغريم فهو الدائن، وقد يطلق على المدين. وأصل الغرم في اللغة: اللزوم، ومنه قوله تعالى في جهنم: (إن عذابها كان غرامًا) (الفرقان: 65). ومنه سمى الغارم، لأن الدين قد لزمه، والغريم لملازمته المدين.
والغارم في مذهب أبى حنيفة: من عليه دين، ولا يملك نصابًا فاضلاً عن دينه (انظر: البحر الرائق: 2/260، والدر والمختار وحاشيته رد المحتار: 2/63). وعند مالك والشافعي وأحمد: الغارمون نوعان: غارم لمصلحة نفسه، وغارم لمصلحة المجتمع، ولكل منهما حكمه.
سابعاً فى سبيل الله:- والغارم في مذهب أبى حنيفة: من عليه دين، ولا يملك نصابًا فاضلاً عن دينه (انظر: البحر الرائق: 2/260، والدر والمختار وحاشيته رد المحتار: 2/63). وعند مالك والشافعي وأحمد: الغارمون نوعان: غارم لمصلحة نفسه، وغارم لمصلحة المجتمع، ولكل منهما حكمه.
والمتتبع لكلمة "سبيل الله" مقرونة بالإنفاق، يجد لها معنيين:
1- معنى عام - حسب مدلول اللفظ الأصلي يشمل كل أنواع البر والطاعات وسبل الخيرات. وذلك كقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) (البقرة:261)، وقوله: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (البقرة:262). فلم يفهم أحد من هذه الآية خاصة أن سبيل الله فيه مقصور على القتال، وما يتعلق به، بدليل ذكر المن والأذى، وهما إنما يكونان عند الإنفاق على الفقراء وذوي الحاجة، وبخاصة الأذى. وكذلك قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (التوبة: 34) فالمراد بـ "سبيل الله " في هذه الآية المعنى الأعم - كما قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري: 3/172) - لا خصوص القتال. وإلا لكان الذي ينفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ونحوها - دون خصوص القتال - داخلاً في دائرة الكانزين والمبشَّرين بالعذاب.
وزعم بعض المعاصرين: أن كلمة " في سبيل الله" إذا قرنت بالإنفاق كان معناها الجهاد جزمًا، ولا تحتمل غيره مطلقًا (النظام الاقتصادي في الإسلام - تقي الدين النبهاني - من منشورات حزب التحرير ص 208 - الطبعة الثالثة). وهو زعم غير مبني على الاستقراء التام لموارد الكلمة في الكتاب العزيز، وآيتا البقرة والتوبة المذكورتان تردان عليه.
2- والمعنى الثاني معنى خاص وهو نُصرة دين الله ومحاربة أعدائه وإعلاء كلمته في الأرض، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والسياق هو الذي يميز هذا المعنى الخاص من المعنى العام السابق. وهذا المعنى هو الذي يجيء بعد القتال والجهاد مثل: "قاتلوا في سبيل الله"، و "جاهدوا في سبيل الله" ومن ذلك قوله تعالى بعد آيات القتال في سورة البقرة: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) (البقرة: 195). فالإنفاق هنا إنفاق في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته على أعدائه المحاربين له الصادين عنه
ثامناً ابن السبيل :- 1- معنى عام - حسب مدلول اللفظ الأصلي يشمل كل أنواع البر والطاعات وسبل الخيرات. وذلك كقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) (البقرة:261)، وقوله: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (البقرة:262). فلم يفهم أحد من هذه الآية خاصة أن سبيل الله فيه مقصور على القتال، وما يتعلق به، بدليل ذكر المن والأذى، وهما إنما يكونان عند الإنفاق على الفقراء وذوي الحاجة، وبخاصة الأذى. وكذلك قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (التوبة: 34) فالمراد بـ "سبيل الله " في هذه الآية المعنى الأعم - كما قال الحافظ ابن حجر (فتح الباري: 3/172) - لا خصوص القتال. وإلا لكان الذي ينفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ونحوها - دون خصوص القتال - داخلاً في دائرة الكانزين والمبشَّرين بالعذاب.
وزعم بعض المعاصرين: أن كلمة " في سبيل الله" إذا قرنت بالإنفاق كان معناها الجهاد جزمًا، ولا تحتمل غيره مطلقًا (النظام الاقتصادي في الإسلام - تقي الدين النبهاني - من منشورات حزب التحرير ص 208 - الطبعة الثالثة). وهو زعم غير مبني على الاستقراء التام لموارد الكلمة في الكتاب العزيز، وآيتا البقرة والتوبة المذكورتان تردان عليه.
2- والمعنى الثاني معنى خاص وهو نُصرة دين الله ومحاربة أعدائه وإعلاء كلمته في الأرض، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والسياق هو الذي يميز هذا المعنى الخاص من المعنى العام السابق. وهذا المعنى هو الذي يجيء بعد القتال والجهاد مثل: "قاتلوا في سبيل الله"، و "جاهدوا في سبيل الله" ومن ذلك قوله تعالى بعد آيات القتال في سورة البقرة: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) (البقرة: 195). فالإنفاق هنا إنفاق في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته على أعدائه المحاربين له الصادين عنه
"ابن السبيل" عند جمهور العلماء كناية عن المسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد، والسبيل: الطريق.
منقول بتصرف من كتاب دكتور يوسف القرضاوى