طريقة وصول القلوب إلى الله تعالى
روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع
على شقك الأيمن وقل : اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك
وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك
لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت
وبنبيك الذي أرسلت ، فإن مُت مُت على الفطرة ، واجعلهن آخر ما تقول "
تأمل .. كيف تُوجه القلوب إلى بارئها ، وكيف تُربط الأفئدة بمولاها
فحين يأوي المسلم إلى فراشه ويغمض عينيه وقد ودّع يومه واستقبل نومه
وإذ به يجدد العهد مع الله ، ويختم مسيرة يومه بالتسليم لمولاه
وتفويض الأمر إليه والاعتصام به سبحانه :
" اللهم أسلمت نفسي إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك "
إنه التسليم لله وحده واللجوء إليه ، اللجوء لمن بيده النفع والضر والنصر
والذل : " ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم "
" واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير "
إن التسليم لله والتفويض إليه قبل وبعد فعل الأسباب المقدور عليها
من شأنه أن يريح النفس من عناء لا طائل منه ، ويربط على القلوب
فتجدها أثبت ما تكون في أوقات الأزمات والشدائد ، وكيف لا يكون ذلك
وهو يأوي إلى ركن شديد ورب مجيد ؟!
كم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا
من ظلم وعدوان أو فقر وحرمان أو مرض في الأبدان أو غير ذلك
مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده ..
" قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض
وهو يُطعِم ولا يُطعَم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم "
إذا حلقت الطائرة في الأفق بعيدا ، وكانت معلقة بين السماء والأرض
فأشّر مؤشّر الخلل وظهرت دلائل العطل ، فذعر القائد ، وارتبك الركاب
وضجت الأصوات ، فبكى الرجال وصاح النساء وفجع الأطفال
وعم الرعب وخيم الهلع وعظم الفزع ، فإلى من الملتجأ ؟!
إنه الله الذي يمسكها كما أمسك الطير :
" أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن
إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير "
إذا اعترض الجنين في بطن أمه ، وعسرت ولادته وصعبت وفادته
وأوشكت على الهلاك وأيقنت بالممات ، فعندها لا يكون الملجأ إلا إلى الله
" أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
ويجعلكم خلفاء الأرض "
إذا خط الشيب في العارضين وكبر السن ورق العظم ولا عقب ولا ذرية
فالمتجه الله والمؤمل الله : " وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا
وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه
إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا
وكانوا لنا خاشعين "
فالله تعالى هو الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة والنصير في القلة ..
إليه وإلا لا تُشد الركائب ومنه وإلا فالمؤمّل خائب
وفيـه وإلا فالغرام مُضيَّع وعنه وإلا فالمحدِّث كاذب
لما خرج الصحابة رضوان الله عليهم وأميرهم العلاء بن الحضرمي للجهاد
قطعوا صحراء الدهناء .. فلما انتصفوا الصحراء
انتهى ماء الشرب .. وكان عندهم بئر هناك ولكن البئر جفت ويبس
ما فيهاولا يوجد فيها قطرة .. حاولوا أن يجدوا الماء فبحثوا وحفروا ولكن
لم يجدوا شيئا وأشرفوا على الهلاك .. عندها قالوا :
يا علاء بن الحضرمي .. ادع الله أن يغيثنا
فوقف العلاء واستقبل القبلة مع الصحابة وقال :
يا حكيم يا عليم يا علي يا عظيم
اللهم أغثنا هذا اليوم
قالوا : والله ما انتهى من دعائه إلا وسحابة قد غطت المخيم فأمطرت
حتى سقوا وغسلوا وشربوا ..!.
سبحانك ما أسرع إجابتك لعبدك إذا دعاك ..
طلب الحجاج الحسن البصري ليقتله لأنه سبه وشتمه أمام القراء
وبيّن عيوبه ومخازيه .. فأرسل إليه الجنود فقبضوا عليه وقالوا :
الحجاج يريدك .. فقال الحسن :
يا حي يا قيوم أسألك أن تسخر الحجاج لي هذا اليوم
ثم خرج معهم ..
فلما وصل إلى الحجاج فإذا هو قد تغير وهدأ غضبه وزال
فلما دخل الحسن أخذ الحجاج الطيب وطيّبه به !
فلما سألوا الحجاج لماذا لم تبطش به قال :
والله إنني هبته اليوم كأشد هيبة مرت بي !
سبحان الله : " وتوكل على الحي الذي لا يموت "
ظن فرعون ومن معه أن الطريق سالك ، فانطبق عليهم الماء
فصار فرعون وقد أدركه الغرق يستغيث بموسى عليه السلام ولكن موسى
لم يُغثه .. فقال الله تعالى : " يا موسى .. لقد استغاث بك سبعين مرة
فلم تُغثه ، فوعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة
لوجدني قريبا مجيبا "
البحر لم يغرق كليم الله موسى عليه السلام ، لأن الصوت القوي الصادق
نطق ب " كلا إن معي ربي سيهدين "
والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يصل إليه المشركون
لأن لسانه نطق ب " لا تحزن إن الله معنا "
سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل ، وورق الشجر
وكان حافيا ، فما وصل مدين حتى سقطت نعل قدميه ، وجلس في الظل
وهو صفوة الله من خلقه ، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع
وإن خضرة البقل لتُرى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة ..
حتى قال عليه السلام : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
إنه يأوي إلى الظل المادي بجسمه ويأوي إلى الظل العظيم الرحيم
بروحه وقلبه ..
ويسارع مولاه بالاستجابة لقلبه الضارع .....
دعوة من الشيخ الكبير
استجابة من السماء لدعوة موسى الفقير
دعوة للإيواء والكرامة
" إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا "
خرج خائفا فأمّنه الله .. جائعا فرزقه الله .. وحيدا فريدا فآواه الله
إلى ابنة الرجل الصالح شعيب عليه السلام ..
فإلى كل من أحاطه الملل في حياته ، وسكن القلق عيشُه
في صباحه ومسائه ..
إلى كل من فنيت آماله ، وأوصدت الأبواب في زمانه ..
إلى كل من تأخر عليه الفرج ، ويأس من من بيده مفاتيح الفرج ..
إلى كل فتاة أحسّت بالعنوسه ، وفقد الزواج ..
إلى كل امرأة انهار زواجها ، وفقدت حلاوة العيش ..
إلى كل شاب تصرمت حياته بين كل ذنب وحرام وفقد الأنس بالعليم العلام ..
إلى كل شاب عاش بين صفحات الاكتئاب ، وضاقت عليه الأحوال
من كل باب ..
اصبر وما صبرك إلا بالله
استقبل المكاره برحابة صدر ..
اصبر يامهموم فالله يقول " اصبروا وصابروا "
اصبر .. فمحمد صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم "
فإن مع العسر يسر ...
وإن مع الكرب فرج ...
كيف تحزن وربك الله ؟؟
كيف تحزن وأنت من أهل التوحيد ؟؟
كيف تحزن وأنت من أتباع النبي الأمين ؟؟
كيف تحزن ودستورك القرآن الكريم ؟؟
كيف تحزن ولك أخوة موحدون يدعون لك بظهر الغيب ؟؟
اصبر لدهر نال منك فهكذا مضت الدهـور
فرحا وحزنا مرة ، لا الحزن دام ولا السرور
فيا مسلم .. يا عبد الله .. ربك كريم صغرت الحوائج على ساحات جوده
فمالك لا تنقطع بالكلية إليه ، ومالك لا تعتمد في مهامك عليه ..
لم اليأس والقنوط ومعك هذا النداء : يارب .. يارب ..
فلا تعجز ولا تيأس وهذا السلاح النافذ ليس بمحجوب عنك
ولا ببعيد منك ، ولا يحول بينك وبين إطلاقه شيء ..
فارفع أكف الضراعة .. وتقدم بين يدي طلبك بطاعة
وادعوه بما شئت فالخزائن ملأى والقدرة صالحة ..
إلهي وجاهي إليك اتجاهي وطيدا مديدا لترضى فأرضى
فأنت قوامي وأنت انسجامي مع الكون والأمر لولاك فوضى