أبان بن سعيد بن العاص
رضي الله عنه
" أنا أنصحكم ثم أبان بعدي "
حديث شريف من هو؟
أبان بن سعيد بن العاص بن أميّة القرشي ، أبو الوليد الأموي ، تأخر إسلامه
وكان تاجراً موسوراً ، وهو الذي أجار عثمان بن عفان يوم الحديبية حين بعثه
الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- رسولاً الى مكة ، ثم أسلم قبل الفتـح بقليل
وهاجر الى المدينة ، وقد استعمله الرسول الكريم سنة ( 9هـ ) على البحرين
وهو ابن عمّة أبو جهل
إسلامه
وقد كان سبب إسلام أبان بن سعيـد أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام ،
يقول أبان بعد عودته من الشام :( تعلمون أني بقرية يُقال لها ( بامَرْدى ) وكان بها راهب
لم يُرَ له وجه مذ أربعين سنة ، فبينا أنا ذات ليلة هنالك إذ النصارى يطيبون المصانع والكنائس
ويصنعون الأطعمة ، ويلبسون الثياب ،
فأنكرت ذلك منهم فقلت :( ما شأنكم ؟) ،
قالوا :( هذا راهب يُقال له ( بُكا ) لم ينزل الى الأرض ، ولم يُرَ فيها منذ أربعين سنة ، وهو نازل اليوم ،
فيمكث أربعين ليلة ، يأتي المصانع والكنائس وينزل على الناس )
فلمّا كان من الغد نزل فخرجوا واجتمعوا ، وخرجت فنظرت إليه فإذا شيخ كبير ،
فخرجوا وخرج معهم يطوف فيهم ، فمكث أياماً ،
وإنّي قلت لصاحبِ منزلي :( اذهب معي الى هذا الراهب ، فإني أريد أن أسأله عن شيء )
فخرج معي حتى دخلنا عليه فقلت :( لي إليك حاجة ) ، فاخلني فقام مَنْ عنده ،
فقلت :( إنّي رجل من قريش ، وإن رجُلاً منّا خرج فينا يزعم أن الله عز وجلّ أرسله ،
مثلما أرسل موسى وعيسى )،
فقال :( ممن هو ؟) ،
قلت :( من قريش ) ،
قال :( وأين بلدكم ؟) ،
قلت :( تهامة ثم مكة ) ،
قال :( لعلّكم تجار العرب أهل بيتهم ؟) ،
قلت :( نعم ) ،
قال :( ما اسم صاحبك ؟) ،
قلت :( محمد ) ،
قال :( ألا أصِفُهُ لك ثم أخبرك عنه ؟) ،
قلت :( بلى )
قال :( مُذْ كم خرج فيكم ؟) ،
قلت :( منذ عشرين سنة أو دون ذلك بقليل ) ،
قال :( فهو يومئذ ابن أربعين سنة ) ، قلت :( أجل ) ،
قال :( هو رجل سبطُ الرأس ، حسن الوجه ، قَصْدُ الطول ، شنّنُ اليدين ، في عينيه حُمْرة ، لا يقاتل ببلده ما كان فيه ، فإذا خرج منه قال فظفر ، وظهر عليه ، يكثر أصحابه ويقلُّ عدوه )
قلت :( ما أخطـأت من صفته ولا أمره واحـدةً ، فأخبرني عنه ) ،
قال :( ما اسمـك ؟) ، قلت :( أبان ) ، قال :( كيـف أنت أصدقتَه أم كذّبتَه ؟) ،
قلت :( بل كذّبتُهُ ) ، فرفع فضرب ظهري بكفٍ ليلة واحدة ، ثم قال :( أيخط بيده ؟) ،
قلت :( لا ) ، قال :( هو والله نبي هذه الأمة ، والله ليظهرنَّ عليكم ، ثم ليظهرنَّ على العرب ، ثم ليظهرنَّ على الأرض ، لو قد خرج )
فخرج مكانه ، فدخل صومعته ، وتشبّت الناس به ، وما أدخله صومعته غير حديثي ،
فقال :( اقرأ على الرجل الصالح السلام )
فأسلم أبان -رضي الله عنه - بعد مرجعه من الشام ، كما أن أخويه خالداً وعمراً لمّا قدما من هجرة الحبشة الى المدينة بَعَثا إليه يدعُوَانه الى الله ، فبادر وقَدِم المدينة مسلماً
فضله
لمّا قدِمَ أبان بن سعيد بن العاص على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال :( يا أبان ! كيف تركت أهل مكة ؟)
قال :( تركتهم وقد جهدوا -يعني المطر- وتركت الإذْخِر -وهو شجر ذو ثمر- وقد أعذق ، وتركتُ الثمار وقد حاص )اغْرَوْرَقَتْ عَينا النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال :( أنا أنصحكم ثم أبان بعدي )
البحرين
لمّا صدر الناس من الحجّ سنة تسعٍ بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبان بن سعيد الى البحرين عاملاً عليها ، فسأله أبان أن يحالف عبد القيس فأذِنَ له في ذلك ،
وقال :( يا رسول الله ! اعهد إلي عهداً في صدقاتهم وجزيتهم ، وما تجِرُوا به )فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ من المسلمين ربع العشر ممّا تجِروا به ، ومن كلِّ حالم من يهودي أو نصراني أو مجوسي ديناراً ، الذكر والأنثى ، وكتب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مجوس هَجَر يعرض عليهم الإسلام ، فإن أبَوْا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ، وكتب لهم صدقات الإبل والبقر والغنم ، على فرضها وسنّتها كتاباً منشُوراً مختوماً في أسفله وتوفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبان بن سعيد عامل على البحرين
بعد وفاة الرسول
لمّا توفي الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- وارتدّت العرب ، وارتدّ أهل هجـر عن الإسلام ،
فقال أبان بن سعيد لعبد القيس :( أبلغوني مأمني ) قالوا :( بل أقمْ فلنجاهد معك في سبيل الله ، فإن الله معزّ دينه ، ومظهره على ما سواه ، وعبد القيس لم ترجع عن الإسلام )
قال :( أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه سلم- ، فليس مثلي يغيب عنهم ، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم )
فقالوا :( لا تفعل ، أنت أعز الناس ، وهذا عليك وعلينا فيه مقالة ، يقول قائل : فرّ من القتال )
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأبان بعد عودته الى المدينة :( ما كان حقك أن تقدم ، وتترك عملك بغير إذن إمامك ، ثم على هذه الحال ، ولكنك أمنته )000فقال أبان :( إني والله ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولو كنت عاملاً لأحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنت عاملاً لأبي بكر في فضله وسابقته وقديم إسلامه ، ولكن لا أعمل بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )000
وشاور أبو بكر أصحابه فيمن يبعث الى البحرين ، فقال له عثمان بن عفان :( ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم ، فقدم عليهم بإسلامهم وطاعتهم ، وقد عرفوه وعرفهم ، وعرف بلادهم )
يعني العلاء بن الحضرمي ، فأبى عمر عليه ، وقال :( أكْرِهْ أبان بن سعيد فإنه رجل قد حالفهم )
فأبى أبو بكر أن يكرهه وقال :( لا أفعل ، لا أكره رجلاً يقول : لا أعمل لأحدٍ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )وأجمع أبو بكر بعثة العلاء بن الحضرمي الى البحرين
إستشهاده
استشهد أبان -رضي اللـه عنه- يوم أجنادين في الشام سنة ( 13هـ )، فقد كانت جمـوع الروم فيها مائة ألف فهزمهم اللـه تعالى ، وأبلى خالد بن الوليد بلاءً حسناً